لقاء بخنيفرة يناقش رهانات وتحديات التنمية المستدامة محليا وجهويا

احتضنت خنيفرة السبت، أشغال يوم دراسي حول “التنمية المستدامة الجهوية والمحلية”، نظمته جمعية أميافا للتنمية المستدامة لقدماء خريجي ثانوية طارق بن زياد بآزرو، بشراكة مع المجلس الإقليمي لخنيفرة

استهل اللقاء بكلمة افتتاحية لرئيس الجمعية، إدريس مسكي، الذي رحب بالحضور، معربًا عن شكره لعامل الإقليم لدعمه تنظيم هذا اللقاء الذي يعكس التزامًا محليًا ملموسًا بمضامين التنمية المستدامة كما نادى بها الملك محمد السادس. واعتبر أن التنمية المستدامة، رغم كونها قضية كونية، إلا أن الانطلاقة الحقيقية نحو تحقيقها تبدأ من المستوى المحلي، داعيًا إلى حلول تراعي خصوصيات كل منطقة.

وأبرز في هذا السياق ما يزخر به إقليم خنيفرة من إمكانيات طبيعية متنوعة، تشمل الغابات والمياه والقطاع الزراعي، يمكن أن تشكل دعامة قوية لتنمية مستدامة إذا ما أُحسن استثمارها وتدبيرها.

واقترح مجموعة من المشاريع التي يمكن أن تشكل رافعة فعلية للتنمية، من بينها تطوير السياحة الإيكولوجية بما يحفظ الموروث الطبيعي، وتحسين البنية التحتية الأساسية خاصة في القرى، مع تعزيز التربية البيئية والتكوين في الزراعة المستدامة والطاقات المتجددة، إلى جانب دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتحفيز المبادرات المحلية وخلق فرص الشغل.

ووجه في ختام كلمته دعوة مفتوحة إلى كل الفاعلين، سواء من سلطات أو مؤسسات أو مجتمع مدني، للانخراط الفعلي في مسلسل بناء تنمية محلية عادلة ومستدامة.

وفي مداخلة وازنة، قدم المهندس الفلاحي الحبيب بن الصحراوي، الخبير في الاقتصاد القروي والمستشار في التنمية الدولية، عرضًا تحليليًا تناول فيه تطور مفهوم التنمية المستدامة منذ ظهوره في الأدبيات الدولية، متتبعًا محطاته الرئيسية من قمة ستوكهولم سنة 1972، إلى تقرير “مستقبلنا المشترك” سنة 1987، وقمة ريو سنة 1992 التي أسست لأجندة 21، ثم الأهداف الإنمائية للألفية، وصولًا إلى أجندة 2030 التي أقرت 17 هدفًا و169 غاية تشمل أبعادًا بيئية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وأوضح المتدخل أن التحديات التي يواجهها العالم اليوم تتطلب انتقالًا فعليًا نحو مقاربة ترابية للتنمية المستدامة، إذ إن 65% من أهداف الأجندة الأممية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الفعل المحلي والجهوي.

وفي هذا السياق، اعتبر أن الجهات بالمغرب تتوفر على مؤهلات تجعلها فاعلاً محوريًا في تفعيل أهداف التنمية، شرط توفير إطار قانوني ومؤسساتي واضح، وتمويل كافٍ، وتأهيل للموارد البشرية، وتنسيق فعّال بين مختلف المتدخلين. كما دعا إلى تبني نموذج تنموي جهوي جديد يقوم على إشراك المواطن، وتوحيد السياسات العمومية في إطار رؤية مندمجة، وتكييف الأهداف الأممية مع الواقع المحلي، مع ضرورة اعتماد مبدأ الشفافية، وتعبئة التمويل العمومي والخاص، وتكوين الفاعلين المحليين. وفي ختام مداخلته، أشار إلى أن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث لا تتجاوز نسبة التقدم الإيجابي سوى 17%، ما يستدعي عملاً جماعيًا وقرارات جريئة لضمان مستقبل أكثر عدلاً واستدامة.

من جانبه، تناول إدريس مسكي في مداخلة ثانية موضوع الجهوية المتقدمة بالمغرب، مستعرضًا مراحل تطورها من مجرد فكرة دستورية سنة 1971 إلى ورش استراتيجي مهيكل مع دستور 2011، الذي أرسى أسس الجهوية المتقدمة ومنح الجهات استقلالية مالية وشخصية اعتبارية. وسجل أن السنوات الأخيرة شهدت إنجازات ملموسة من خلال تفعيل المجالس الجهوية، وتوقيع عقود-برامج مع الدولة، وتصاعد التحويلات المالية، إلا أن التطبيق ما يزال يعاني من صعوبات، أبرزها بطء نقل الاختصاصات، ضعف التمويل الذاتي، تأخر صدور بعض المراسيم، نقص التنسيق بين الفاعلين، وغياب كفاءات متخصصة على المستوى الجهوي. ودعا إلى إصلاحات هيكلية تعيد الاعتبار لهذا الورش الكبير وتُمكن الجهات من لعب دورها الكامل في تحقيق التنمية الترابية المنشودة.

وفي قراءة نقدية دقيقة لواقع جهة بني ملال خنيفرة، قدّم الدكتور ياسين محمد، رئيس مؤسسة أجدير الأطلس، مداخلة ركز فيها على ضرورة ربط أي تصور تنموي بخصوصيات الجهة الترابية والاجتماعية والاقتصادية. وأبرز أن الجهة تغطي حوالي 4% من التراب الوطني وتضم أكثر من 119 جماعة، إلا أن إقليم خنيفرة، رغم ما يزخر به من موارد طبيعية مهمة، لا يزال يعاني من مفارقة بين هذا الغنى الطبيعي والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في المناطق الجبلية.

وأشار إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر، وضعف التجهيزات العمومية، وغياب الربط الطرقي والهوائي، وهي عوامل تعمق الفوارق المجالية. كما انتقد ضعف التنسيق في تدبير المشاريع، وهشاشة الحكامة الجهوية، داعيًا إلى إعادة التفكير في السياسات المعتمدة، واعتماد تخطيط مندمج ينطلق من تشخيص واقعي، ويشرك الفاعلين المدنيين، ويرتكز على تثمين التراث الثقافي والبيئي. وأكد أن قضايا كبرى كالهجرة القروية والتغيرات المناخية، تستوجب استراتيجيات متعددة الأبعاد، تعيد الاعتبار للإقليم كمجال للتنوع الثقافي والتسامح، مشددًا على أهمية الاقتصاد الاجتماعي، وتمكين المرأة، وتطوير السياحة الثقافية، لجعل خنيفرة نموذجًا وطنيًا للتنمية المستدامة.

أما زينب بنرحمون،الأستاذة السابقة بالمدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين، فدعت في مداخلتها إلى تجاوز المقاربات التقنية التي تهمل البعد الثقافي والبيئي، معتبرة أن التنمية المحلية الناجحة لا يمكن أن تتحقق دون تشخيص شامل للوضع الطبيعي والثقافي للمجال المعني.

وأكدت أن الثقافة ليست عنصرًا مكملًا بل جزءًا أصيلًا من أي مشروع تنموي، وأن العلاقة بين المجالين القروي والحضري هي علاقة تكامل لا تقابل. وسجلت أن جهة بني ملال خنيفرة من بين الجهات الأكثر هشاشة بيئيًا، بسبب موجات الحر، الفقر، الأمية، وضعف البنيات، وهو ما يتطلب مشاريع مرنة ومنتجة تعزز التكيف مع التغيرات المناخية. ودعت إلى إدماج التنمية المحلية ضمن البرامج القطاعية الوطنية، مع التركيز على العدالة المجالية، وتحقيق السيادة الغذائية، وتحسين تدبير الموارد الطبيعية، ولا سيما الماء والتربة، مشيرة إلى أن الاستثمار في التنوع الثقافي والتراث المحلي يمثل أحد مفاتيح الحكامة الترابية الناجعة، شريطة إشراك الإنسان كمحور في كل مراحل البناء التنموي.

وجرى هذا اليوم الدراسي بحضور عامل إقليم خنيفرة ، السيد محمد عادل إهوران ، ورئيس المجلس الإقليمي السيد حميد البابور ، ومسؤولين إداريين ومنتخبين، إلى جانب خبراء وفاعلين جمعويين، وأكاديميين، وأساتذة باحثين ومهتمين بقضايا التنمية الترابية والمجالية .

وجسد هذا اليوم الدراسي لحظة جماعية للنقاش والتفكير التشاركي بين مختلف الفاعلين، في أفق ترسيخ مقومات تنمية جهوية ومحلية عادلة ومستدامة، تضع المواطن في صلب العملية، وتراهن على الثقافة، البيئة، والعدالة المجالية كمداخل استراتيجية لبناء مغرب الغد

واختتم هذا اليوم الدراسي ، بتنظيم زيارة ميدانية إلى عدد من المواقع السياحية بالمنطقة، مثل أروكو، أجدير واكلمام أزكزا، مما أتاح لهم فرصة الاطلاع على الإمكانات السياحية والطبيعية التي يزخر بها الإقليم.

شارك المقالة على مواقع التواصل

Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on linkedin
لينكدإن
Share on print
طباعة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d bloggers like this: